جهاد الديناري: الذكاء الاصطناعي يهدد مسرح الطفل ويضعف التلقي الحي أمام الشاشات
قدم الأستاذ الدكتور عبد الكريم عبود عودة، أستاذ المسرح في جامعة البصرة العراق دراسة بحثية خلال أولى ندوات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي بعنوان “الذكاء الاصطناعي والممارسات المسرحية تناسج البعد المادي والتجسيد الافتراضي في العرض المسرحي المعاصر” وذلك ضمن فعاليات الجلسة النقاشية المسرح والذكاء الاصطناعي، هذه الدراسة تسلط الضوء على تأثير الذكاء الاصطناعي على الفنون والمسرح بشكل خاص، حيث تناولت مجموعة من القضايا المعاصرة في هذا المجال،
بدأ د. عودة ورقته بالإشارة إلى التحولات الكبيرة التي شهدها المسرح منذ دخول القرن العشرين نتيجة التطور التكنولوجي، حيث ألقى الضوء على دور الذكاء الاصطناعي الذي أصبح عاملاً مؤثراً في العمليات الإبداعية بدلاً من أن يكون مجرد أداة تقليدية، وهذا التغير أدى إلى ظهور تحديات جديدة للمبدعين في المجالين الفني والدرامي، مما يعكس تحولات غير مسبوقة في طبيعة العمل المسرحي، ويجعل الفنانين يتكيفون مع هذه التغيرات المتسارعة،
كما أوضح الباحث أن الذكاء الاصطناعي أصبح يمتلك القدرة على إنتاج النصوص الموسيقية والصور والفيديوهات السينمائية، بل وعمل على إعادة إنتاج العروض التاريخية عبر النسخ الرقمية الأمر الذي يفتح آفاقاً جديدة أمام المبدعين، بالإضافة إلى ما أضافته التقنيات الحديثة كواقع معزز وواقع افتراضي، مما ساعد في إعادة تشكيل العلاقة بين الفنان والمادة الفعلية والرؤية الرقمية وتقديم تجارب بصرية جديدة للجمهور، وهذا ساهم في إثارة الكثير من النقاشات حول طبيعة الفن في العصر الحديث،
أضاف الدكتور عودة أن الذكاء الاصطناعي قد أحدث تغييرات جذرية في العناصر السينوغرافية والتفاعل الدرامي، إذ مكن الصورة المشهدية من تحقيق إمكانيات تصميم عوالم رقمية غير تقليدية وقابلة للتفاعل الحي، وهذا ما أسهم في تقديم تجربة جديدة تعتمد على مزج الأبعاد المادية للحضور الفعلي مع العناصر الافتراضية وفجّر إمكانيات التفاعل وديناميكية المشاهد، كما ساهم في خلق بيئة تضم أبعاد تكنولوجية متقدّمة، ما يعدّ ركيزة أساسية في تطوير الفنون المسرحية المعاصرة،
في نفس السياق، قدمت الباحثة جهاد الديناري ورقة بحثية بعنوان “تحديات مسرح الطفل في عصر الـAi بين تطوير التقنيات وانهيار التلقي وتهديد الصناعة” حيث تناولت من خلالها ظاهرة مسرح الطفل “الأون لاين” التي تحكمها الآلات والذكاء الاصطناعي بدءاً من الكتابة والإخراج وحتى طريقة العرض، مما يعكس التحولات التي يشهدها هذا المجال، إذ بات المسرح الرقمي خياراً شائعاً له أبعاد متعددة تؤثر على الجوانب الفنية والنفسية للأطفال،
جهاد أشارت إلى أن ظهور فيروس كورونا ساهم في زيادة الإقبال على المسرح الإلكتروني البديل في أوروبا وأمريكا، إذ أصبحت عروض المسرح متاحة للجمهور من المنزل عبر حجز الكراسي إلكترونياً وكما هو الحال في تجربة المسرحية الأمريكية Dream التي زوّدت المشاهدين بفرصة متابعة الأعمال بدون الحاجة للحضور الفعلي، مما يعكس تحولاً جذرياً في صناعة المسرح التقليدي وطرق الوصول إلى الجمهور،
ومع ذلك، أكدت الديناري أن هذه التقنيات تحمل في طياتها تهديداً لفكرة التلقي المباشر حيث تضعف من التجربة الحية وتؤثر على العلاقة المباشرة بين الطفل والعرض المسرحي، وهذا يمثل عائقاً في مسرح الطفل الذي يعتمد بشكل رئيسي على التفاعل الحسي والتجريبي بين مشاهدين وعرض، لذا تحتاج هذه الصناعة إلى إيجاد توازن بين التقنية والفن من أجل الحفاظ على جوهر تجربة المسرح الحقيقي،
حذرت الباحثة من إمكانية أن يتعرض القطاع برمته للهيمنة من قبل الذكاء الاصطناعي على حساب الدور البشري، إذ أن استخدام برامج الذكاء الاصطناعي في كتابة السيناريوهات وإنتاج الصور المسرحية الرقمية قد يكون له تأثيرات سلبية على الصحة النفسية للأطفال والمراهقين، هذه التحولات تتطلب وعياً أكبر حول كيفية إدماج هذه التقنية دون الإضرار بالطبيعة البسيطة للفن والمسرح وأثره في نفوس الصغار،
يُعتبر مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي من أقدم المهرجانات الخاصة بتقديم العروض المسرحية التجريبية من مختلف أنحاء العالم، ويهدف إلى خلق تواصل وحوار بين الثقافات كما يسعى لتعريف الجمهور العربي بأحدث تيارات المسرح المحلي والدولي، كما يلعب المهرجان دوراً مهماً في منح المسرحيين منصة لاستعراض أحدث التطورات الفنية من مصر والعالم العربي، وبهذا يعزز مكانته كحدث ثقافي مؤثر يتم فيه تبادل المعرفة والتجارب الفريدة،